الانسان مؤهل للكدح || محمود توفيق || ندى الجمل

#voiceover #podcast #اكسبلور #explore #اقتباسات #الحياه
الأشخاصُ الذِين قابلتُهم فِي حيَاتي ويخترعُون لأنفسِهم مهامَّاً، ويفتِّشون عمَّا يجبُ عليهِم عملهُ، أَو مَا يمكنُ لهُم عملهُ، كُل الذِين يلهُون أنفسَهم بتفاصِيل يُدققون فيهَا، كُل الباحِثين عَن حُلول لمَشاكل مطروحةٍ أمامَهم علىٰ الطاولةِ وليسَ عندَ الأُفق، والذِين برمَجوا أنفسَهم علىٰ أَن لَا يؤجِّلوا شيئاً، وعلىٰ أَن يظفرُوا بنهايةٍ جيِّدة لليَوم، هُم أقلُّ عُرضة للأوجَاع النفسيَّة مِن غيرهِم.

فِي البدايةِ قَد ترىٰ أنَّ هذهِ خطَّة لإرهَاق الجسدِ مِن أَجل أَن يُلهيَ الإنسانُ نفسَه عَن أوجَاع الذاتِ، لكِن الأمرَ غيرُ ذلِك، فهُم يعتادُون علىٰ ذلكَ ولَا يشعرُون بأنهُم مرهَقون للدرجةِ التِي مُمكن أَن يشعرَ بهَا مَن يراقبُ عمَلهم، وهُم يشعرُون بنَوع مِن الأمَان بسَبب الإنجازِ الذِي يتحوَّل إلىٰ معنىً شريفٍ وساحِر، وَنوع جمِيل مِن الشبَع، ذلكَ الشبَع الذِي يُحاول الآخرُون الحصُول عليهِ مِن مصَادر أخرىٰ مِثل الذكريَات، أَو الأمنيَات، أَو الأصدِقاء، أَو الهوايَات، لكِن هؤلاءِ عرَفوا أنَّ الإنجَاز هوَ أحدُ أَفضل وأضمَن الوسَائل لتحقِيق ذلكَ الشبَع النفسيِّ المَرغوب.

الإنسانُ مؤهَّل للكَدح، هذهِ نقطَة هامَّة جدَّاً، وعندمَا يفعلُ ذلكَ يكونُ قَد انسجمَ معَ مؤهِّلاته التِي بهِ واكتَشف طبيعتَه، وتوسَّعت معهُ القمَاشة القَابلة أصلاً للمطِّ، وهَذا ربَّما يفسِّر حبَّ كثيرٍ مِن الأثرياءِ للعَمل رغمَ عدمِ وجودِ أيِّ اضطرارٍ لذلِك، فالواحدُ منهُم يكونُ قَد التقىٰ بنفسهِ المؤهَّلة للعَمل، والمؤهَّلة لتحمُّل المسؤوليَّة، والمؤهَّلة لتحمُّل الاحتمَالات، ثمَّ هوَ استلمَ هذهِ النفسَ واشتغلَ عليهَا بالتَّمرين، واستجابَت معَه، ورضيَ بنتائِج التَّمرين عليهَا واعتزَّ بهَا، ولَم يعُد يحبُّ أَن يعودَ لحياةٍ خاليةٍ مِن كلِّ ذلِك.

الانشغالُ بمَا هوَ حقيقيٌّ ومُفيد، والتفكيرُ فيمَا يجبُ عملهُ صبيحةَ كلِّ يومٍ عندمَا يقفِز الإنسانُ فِي نهرِ السَّعي، والرَّغبة فِي تحسِين القدرةِ علىٰ فهمِ الحياةِ بتفاصِيلها، ليسَت الفائِدة مِن ذلكَ كلِّه إلهاءَ الإنسَان عمَّا يؤلمُه، بَل هوَ تصحيحُ بصيرةٍ يجعلُ الأشياءَ تظهرُ فِي حجمِها الذِي تستحِقه. 🤍

- محمُود توفِيق. 🕊️